سیرة العلامة الطباطبائي
إنّ الطباطبائي كان فيلسوفاً وحكيماً، وكان أستاذاً موهوباً كرّس معظم حياته لتعليم المعارف الإسلاميّة الحقّة. أعطى دروساً في الفلسفة والتّفسير والأخلاق والفقه والأصول وغير ذلك في مدينة "قم". نبيّن سيرته بصورة مختصرة في النّقاط التالية:
اسمه ونشأته
هو السيّد محمّد حسين بن السيّد محمّد بن السيّد محمّد حسين الميرزا على أصغر شيخ الإسلام العلامة الطباطبائى التبريزى القاضى.[1] وُلد في تبريز في التاسع والعشرين من ذي الحجة سنة 1321 هـ في أسرة عريقة معروفة بالفضل والعلم. توفّيت والدته وعمره خمس سنوات، وتوفّي والده عندما بلغ التّاسعة من عمره، وبقي هو وأخوه السيّد محمّد حسن القاضي الطباطبائي تحت كفالة وصيّ أبيه الذي كان يرعاهما برفق.[2]
دراسته
تعلّم القرآن والأدب الفارسي والريّاضيات في مدرسة تبريز، وتابع دراسته في الجامعة الإسلاميّة في تبريز حيث تعلّم الصّرف والنّحو، وعلم المعاني وعلم البيان، والفقه وعلم الأصول، وعلم الكلام. سنة 1344هـ، بغية إكمال دراسته، انتقل الطباطبائي إلى النّجف الأشرف وأمضى فيها أحد عشر عاماً منشغلاً بالدّراسات الفقهيّة والأصوليّة والفلسفيّة والعرفانيّة والرّياضيّة. وبسبب تدهور الأوضاع الاقتصاديّة، اضطرّ الطباطبائي إلى مغادرة النّجف والعودة إلى مسقط رأسه تبريز حيث اشتغل بالزّراعة لمدّة عشر سنوات في قرية "شادباد" التبريزيّة. وقام خلال هذه الفترة بتأليف رسائل عرفانيّة وفلسفيّة، منها "الإنسان قبل الدنيا" و"الإنسان في الدّنيا" و"الإنسان بعد الدّنيا"، والرسائل الأربع وغيرها من الرسائل. وبسبب الاضطرابات التي حدثت في محافظة أذربيجان، توجّه الطباطبائي إلى قم سنة 1364هـ، وظلّ يعيش فيها ما يقارب 35 سنة، حيث درّس علم التّفسير والفلسفة والعلوم العقليّة. ومنذ سنة 1368هـ، شرع بتدريس الأخلاق والعرفان، ثم قام بعدها بتدريس رسالة السير والسلوك المنسوبة للسيّد بحر العلوم. وتخرّج على يده جيلٌ كبيرٌ من أكابر الحوزة وعلمائها وهم بين مفسِّر لكتاب الله العزيز وحكيم وأخلاقي.[3]
أساتذته
درس في "النجف" على يد أكابر العلماء، ومنهم: الميرزا محمد حسين النائيني (1247هـ - 1355 هـ) وأبو الحسن الأصفهاني (1284هـ - 1365 هـ) والشيخ محمد حسين الأصفهاني (1296هـ - 1361هـ) والمشهور بالكمباني، ودرس عندهم الفقه والأصول.
ودرس الرّياضيّات عند عبد القاسم الخونساري. ودرس المعارف الإلهيّة والأخلاق والعرفان والسّير والسلوك على يد الميرزا على القاضي(1285هـ - 1365 هـ).
وقد درس عند حسين البادكوبي (1293هـ - 1358 هـ) "الشفاء" لابن سينا، و"تمهيد القواعد" لابن تركة و"الأسفار" و"المشاعر" لصدر المتألّهين، و"المنظومة" لملّا هادي السبزواري، وكتاب "أثولوجيا" لأرسطو، و"طهارة الأعراق" لابن مسكويه. وكان الطباطبائي يُثني على أستاذه البادكوبي كثيراً وكان يصفه بالحكيم البارع.[4]
تلامذته
لقد امتاز العلامة السيّد محمّد حسين الطّباطبائي بجمع الخلق حوله بسبب المعنويّة الإلهيّة الرّفيعة، فكان عاملًا رئيسيًا في شدّ الطلاب إلى محاضراته القيّمة، إذ كان يحضرها المئات، فنال الكثيرون منهم درجة الاجتهاد في الحكمة وأصبحوا قادرين على تدريسها. ولقد درس على يديه جيل من الطلبة والأفاضل الذين نهلوا من علومه المختلفة، وكان لهم دورٌ بارزٌ في تنمية العلوم العقليّة التي كان الطباطبائي يولّيها اهتمامه، نذكر منهم: الشّهيد مرتضى المطهري، الشّهيد محمد حسين البهشتي، الشّهيد محمد مفتح الهمداني، الشّيخ علي القدوسي، الشّهيد محمد رضا السّعيدي، آية الله جوادي آملي، الأستاذ محمد تقي مصباح اليزدي، آية الله مكارم الشيرازي، الشّهيد مصطفى الخميني، السيّد عبد الكريم الأردبيلي، العلّامة السيّد محمّد حسين الطّهراني الذي ألّف كتاب "مهر تابان" حول شرح أحوال أستاذه العلّامة الطّباطبائي، والشّيخ أنصاري الشّيرازي.[5]
آثاره العلميّة
للعلامة الطباطبائي مؤلّفات كثيرة باللّغتين: العربيّة والفارسيّة، منها ما ألّفه في النّجف الأشرف، ومنها ما ألّفه في تبريز، ومنها ما ألّفه في قم المقدّسة، من أبرزها:
1- أصول الفلسفة والمذهب الواقعي، وهو عبارة عن مجالس علميّة عقدها الطباطبائي في البحث المقارن بين فلسفة الشرق والغرب. وقد نُشر في خمس مجلدات مع تعليقات وشروحات تلميذه الشّهيد مرتضي
المطهري.
2- حاشية على كتاب "الأسفار الأربعة" لصدر الدّين الشّيرازي، والذي درّسه رغم الصّعوبات التي واجهته أثناء تدريسه.
3- بداية الحكمة، وهو كتاب ألّفه للمبتدئين في دراسة الفلسفة.
4- نهاية الحكمة، وهو كتاب دراسي جامع للمسائل الفلسفيّة.
5- الرّسائل التّوحيديّة، وهي رسائل ثلاث في طبيعة الإنسان قبل الدّنيا، وفي الدّنيا، وبعد الدّنيا.
6- الرّسائل السبع، وهو مجموعة تحتوي على رسائل فلسفيّة وهي البرهان، المغالطة، التركيب، التحليل، الاعتباريات، المنامات والنبوات، القوة والفعل.
7- الشيعة في الإسلام، تُرجم إلى الإنجليزيّة من قبل حسين نصر تحت عنوان Shi'ite in Islam بمساعدة وليام شيتيك.
8- ومن أهمّ أعماله ذات القيمة العالية وتُعتبر زبدة وخلاصة دراساته القرآنيّة "الميزان في تفسير القرآن" في عشرين مجلداً. وقد ترجم إلى الفارسيّة وإلى لغات أخرى.[6]
وفاته
بقي الطباطبائي في مدينة قم حتى وافته المنيّة في الساعة التاسعة صباحاً من يوم الأحد المصادف 18 محرم الحرام سنة 1402هـ، وشيّع تشييعاً مهيباً بعد إعلان الحداد الرّسمي، وقد ووري جثمانه الطاهر الثرى في أحد جوانب مرقد السّيّدة الطّاهرة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى الكاظم عليهما السلام.[7]
كلمات العلماء حوله
1- يقول العلّامة الطهراني: "لقد بلغ أستاذنا العلامة الطباطبائي مبلغ الكمال في العناصر الثلاثة جميعاً، بل حاز بين الأقران على المرتبة الأولى. فمن جهة كمال القوة العقليّة والحكمة النظريّة، ثمّ اتفاق على ذلك بين الصديق والعدو، وقد كان في ذلك ممن لا نظير له في العالم الإسلامي. وأمّا من جهة كمال القوة العلميّة والحكمة العلميّة والسير الباطني في المدارج ومعارج عوالم الغيب والملكوت، والبلوغ إلى درجات المقرّبين والصّدّيقين، فقد كان صمته عن ذلك وسكوته عنه، وإطباق شفتيه عليه حتى في حياته، ممّا لا يسمح لنا أن نكشف السّتار عن أكثر من ذلك في هذه المرحلة، لا سيّما وأنَّه كان يعتبر كتمان السرّ من أعظم الفرائض. وأمّا من جهة الشّرع، فقد كان فقيهاً مشرعاً، بذل سعيه بتمام معنى الكلمة في رعاية السنن والآداب، ولم يكن يتوانى عن الالتزام بأداء أقل المستحبّات، وكان ينظر بعين التّعظيم والإجلال والتّبجيل لأولياء الشرع المبين."[8]
2- يقول آية الله الحاج الشيخ محمد تقي الآملي في مكانة الطباطبائي بين أقرانه من التلامذة: "إن كان ينبغي للمرء أن يصل إلى مرحلة معيّنة ويخطو خطوة ما في ظلّ رعاية وتربيّة كاملة، فإنّني لا أرى بالنّسبة لكم من هو أفضل من سماحة السّيّد الطّباطبائي، فعليكم بالتّردّد عليه أكثر، فإنّه والمغفور له السّيّد أحمد الكربلائي الكشميري كانا الأفضل من بين تلامذة المغفور له السّيّد القاضي، وكان للسّيّد الطّباطبائي في ذلك الوقت الكشفيّات الكثيرة."[9]
3- وممّا قال عنه قائد الثّورة الإسلاميّة السّيّد علي الخامنئي دام ظله العالي: "لقد كان من الذين لا يمكن تربيّة أمثاله إلّا في الحضن المبارك لعقيدة جامعة، كالإسلام. كان وجهه المعنويّ صورة صلبة لرجل قرن الإيمان الرّاسخ والعرفان الحقيقيّ بعلم واسع وعميق...وكان يعدّ من أسطع الجواهر في مائدة المتاع القيّمة في الحوزة العلميّة في قم...وكانت المعارف التي تخرج من لسانه وقلمه وتطبع على صفحات القلوب والأوراق، تنتشر من خلال مئات وآلاف الألسن ومئات وآلاف الكلمات في كلّ مكان وكان يعلّم الجميع العلم والمعرفة."[10]
4- يذكر آية الله الشّيخ جوادي آملى عن أُستاذه العلّامة الطّباطبائى: "إنّه بلغ أوج التكامل العقلىّ والتّجرّد الرّوحى، صار معه يدرك الكلّيّات العقليّة بدون تدخّل قوّة التّخيّل وتمثّل مصداقها فى مرحلة الخيال، وتجسّدها فى مرتبة المثال المتّصل، أو بصرف النظر عن ذلك."[11]
[1]- راجع: الأوسى، على، العلامة الطباطبائى ومنهجه فى تفسير الميزان، ص 36.
[2]- راجع: طباطبايي، محمد حسين، مجموعه مقالات، پرسشها و پاسخها، ج 1 ص 3، بالفارسية.
[3]- راجع: المصدر السابق.
[4]- راجع: المصدر السابق.
[5]- راجع: هنديجاني فرد، عارف، علوم القرآن عند العلامة آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي، دراسة مقارنة، ص42-64.
[6]- راجع: المصدر السابق، ص42-64.
[7]- انظر: المصدر السابق، ص60-64، بالتّصرّف، وراجع: الأوسى، على، العلامة الطباطبائى ومنهجه فى تفسير الميزان، ص51.
[8]- حسينى طهرانى، محمد حسين، مهر تابان: يادنامه و مصاحبات تلميذ و علامه عالم ربانى علامه سيد محمدحسين طباطبائى تبريزى، ص122.
[9]- هنديجاني فرد، عارف، علوم القرآن عند العلامة آية الله السّيّد محمد حسين الطّباطبائيّ، دراسة مقارنة، ص53، نقلا عن سيرة العلامة الطباطبائي، بقلم كبار العلماء والأعلام، ص29.
[10]- المصدر السابق، ص54، نقلا عن سيرة العلامة الطباطبائي، بقلم كبار العلماء والأعلام، ص6-7.
[11]- المصدر السابق.