الفصل الأول: شخصيّة أفلاطون و ملا صدرا و أصولهما الفلسفية

المبحث الأول: شخصية أفلاطون و أصوله الفلسفية

     أفلاطون(428/ 427 ق.م -  348/347 ق.م) فيلسوف يوناني. يعدّ سقراط و أفلاطون(وكان أفلاطون مِن أتباعه) وأرسطو واضعي الأسس الفلسفية للثقافة الغربية. معظم مؤلفاته محاورات، عالج فيها موضوعات مختلفة كالرياضيات، والسياسة، والتربية، والحبّ، والصّداقة، والفضيلة. وأشهر محاورات أفلاطون كتاب:  الجمهورية. قد رسم فيه صورة للمدينة الفاضلة كما تخيلها، معلنا أن لا صلاح للجنس البشري إلّا إذا أصبح الفلاسفة حكّاما أو أصبح الحكّام فلاسفة.

إن الأصول التي اعتمد عليها أفلاطون في فلسفته كثيرة، أهمها هي:

1-أصالة العقل المجرد

2-النفس قديمة

3-العلم جوهرعقلي (1)

المبحث الثاني: شخصية ملا صدرا و أصوله الفلسفية

  هو محمد بن إبراهيم القوامي الشيرازي مولدا (979/980هـ - 1050هـ)، والقمّي مسكنا. عرف ما بين تلامذته بصدر الدين أو صدر المتألهين، وعند العامة ممن عرفوه باسم ملا صدرا كما عرف بالآخوند أي الأستاذ. وقد انحدر من أسرة ثرية شيرازية عريقة في النسب والشرف.(2)

     صدر الدين الشيرازي مزّج فلسفة اليونان وفلسفة الإشراق وفلسفة المشاء، و قدّم فلسفة جديدة باسم الحكمة المتعالية و بيّن فيها أصولا فلسفيا التي لم يبيّنها 

 Magee Bryan, The Story Of Philosophy, p 24  -1

2-  نزيه عبد الله الحسين، فلسفة صدر الدين الشيرازي، ص22 ، بالتصرف، وانظر:

History Of Islamic Philosophy, p 643    

أحد من قبله. إن الأصول التي اعتمد عليها الفيلسوف ملا صدرا في صياغة فلسفته - والتي أوجدت تحولا جذريا في الفلسفة أسفرت عن نتائج باهرة في حقل العقائد -أهمها هي:

1- أصالة الوجود

2- اشتراك الوجود

3- اتحاد جوهر العاقل و المعقول

4- بسيط الحقيقة كل الأشياء

5- الحركة الجوهرية

6- النفس جسمانية الحدوث و روحانية البقاء

7- إن العلم لا جوهر و لا عرض، و إنما هو نحو من الوجود.

أشهر كتب صدر الدين هي:

 الأسفار، الشواهد الربوبية، المبدأ والمعاد، العرشية، المشاعر.(1)

 
   

 

1- السبحاني،صدر المتألهين في رحاب نوابغ العلماء،ص41، بالتصرف،

وانظر:المطهري،كليات علوم إسلامي،منطق،فلسفة،ص،159.

الفصل الثاني: المثل الأفلاطونية و ملا صدرا

المبحث الأول: نظرية المثل عند أفلاطون

    المثل أو الصور حقائق كلية ثابتة موجودة بالفعل وجودا خارجيا مفارقا مستقلا عن الإنسان، هي في وقت واحد مصدر للمعرفة وعلة لها، كما هي مصدر لوجود الأشياء في العالم المحسوس وعلة له.

هذه المثل منضدة بعضها فوق بعض على نحو تصاعدي يشمل كل منها جميع ما دونه، إلى أن ينتهي هذا النظام الهرمي إلى مثال الخير، وهو المثال الأعلى و حقيقة الحقائق و جوهر الوجود، و جميع المثل تتجه إليه، لأنها كلها تنشد الخير و تسعى إليه.

 هذه المثل ليست مادية و إنما هي معان مجردة خالدة، والأشياء المادية إنما تتشبّه بها، لأنها ناقصة، تفني عاجلا أو آجلا. فالأعمال الفاضلة الفردية قصيرة الأجل، ولكن الفضيلة هي حقيقة خالدة سرمدية.

المثل هي الأسس الأولى للوجود و لا أساس لها، وهي جوهر الأشياء ولا جوهر فوقها، ولا يحدّها زمان ولا مكان. فهي أزلية أبدية لا تكون و لا تفسد. وهي جواهر كلية بسيطة لا تتركب من شيء ولا تنحل إلى شيء. فمثال الإنسان ليس هذا الإنسان الخاص الجزئي الناقص، بل هو الحقيقة الكلية العامة الكاملة لكل إنسان. وكل مثال وحدة قائمة بذاتها لا تعدّد ولا تكثّر، ولا يدركها إلّا العقل الخالص. عقل الفيلسوف الذي خصَّته الطبيعة بمواهب لا تتوفر لكل إنسان، وكان قد حظي في الزمان الغابر بالرؤية الصحيحة.

إذا كان عالم المثل هو عالم الحقيقة و الكمال فإن عالمنا هو عالم الخداع و النقص.إنّ عالم المثل عالم حقيقي حتى ولو لم توجد الكائنات المحسوسة. بل إنّ الكائنات المحسوسة لا تنشأ إلّا عن مشاركة جزء من المادة في مثال من المثل، فيتشبّه به و يحصل على بعض كماله، ولكنه ليس هو إياه. إذ لا يمكن أن تكون المحسوسات هي المثل لأنها متصلة بمادة و المثل معقولة. إنّ عالم المثل هو عالم الأفكار و المعاني، وهذا مبرر شرفه و كماله، وأمّا عالم المادة فهو عالم الأشباح والظلال، وهذا مبرر خسّته و دناءته.

وقد ذكر أفلاطون في محاورة (طيماوس) التي خصّصها لتفسير التكوين الطبيعي للعالم أن الصانع قد أحدث العالم محتذياً المثل،أي أنه ركّب الصور المأخوذة عن المثل في المادة الخام.(1)  

 
   

 

1- مرحبا،من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة الإسلامية،ص127-132، و اخلاقی، خداشناسی،ص81، و ورنر، حکمت یونان، ص83-84، بالتصرف.

المبحث الثاني: تأييد صدر المتألهين للمثل الأفلاطونية عموماً

    وقف صدرالمتألهين من هذه النظرية موقفا إيجابيا بشكل عام إلّا أنّه لم يكن مطابقا لها. يقول ملا صدرا عارضا نظرية المثل:

(إنّ لكل طبيعة حسّية - فلكية أو عنصرية – طبيعة أخرى في العالم الإلهي، وهي المثل الإلهية، والصور المفارقة، وهي صور ما في علم الله. وكأنها هي التي سماها أفلاطون و شيعته بالمثل النورية. وهي حقائق متأصلة، نسبتها إلى هذه الصور الحسية الداثرة، نسبة الأصل إلى المثال و الشبح. وإنما هي تكون أصول هذه الأشباح الكائنة المتجددة، لأنها فاعلها و غايتها، وصورتها أيضا بوجه؛ لأن تلك الأصول الأعلين، هي عقليات بالفعل. وهذه لا تخلو عن القوّة و الإمكان.) (1)

وفي معرض ردّه على الحجة الثالثة من حجج نفاة الحركة الجوهرية، وهي انقلاب الماهيات و زوال الأنواع، يكتب صدر الدين الشيرازي مبيّنا أن الطبيعة الجسمانية لازمة عن وحدتها العقلية(الوحدة المحفوظة بالمثال):(لكل طبيعة جسمانية حقيقة عند الله موجودة في علمه، وهي بحقيقتها العقلية لا تحتاج إلى مادة، ولا استعداد، أو حركة، أو زمان، أو حدوث، أو إمكان استعدادي. ولها شؤونات وجودية كونية متعاقبة على نعت الاتصال. وهي بوحدتها الاتصالية،لازمة لوحدتها العقلية الموجودة في علم الله.) (2)

و يقول ملا صدرا – وهو يبرهن على العقل الأول المفارق و عالمه الصادر عن واجب الوجود – مفصحا عن موقفه من المثل:

(واعلم أنّ القول بالمثل الأفلاطونية حقّ عندنا كما علمته، ومع ذلك لا يضرّ في إثبات المرام من هذا المنهج؛ وهو وجود صور الأحكام الثابتة في عالم آخر عقلي،

 

 
   

 

1- الأسفار:ج5،ص202

2- نفس المصدر:ج3،ص137- 138

 

سواء أكانت حالة في جوهر عقلي، أم قائمة بذواتها.) (1)

ومن تحليل النصّ يتبيّن:

1- مذهب أفلاطون في المثل متين و محكم.

2- لم يدلّل مَن أخذ بمذهب المثل الأفلاطونية بشكل نظري بحثي، وإنما اعتمدوها بسلوكهم سبيل الكشف، ومن ثمّ حكوا ما شاهدوا مراراً.

يقول ملا صدرا في مفاتيح الغيب:

(إنّ لكل صورة محسوسة، معقولةً من نوعها هي وجودها في علم الله، وهي المسماة بالمثل الأفلاطونية والصور المفارقة، التي قد عجزت العقلاء الذين جاءوا بعده عن إدراك هذه المثل النورية على وجهها، وعن الإذعان بوجود صور هذه الطبائع مجرّدة عن المواد في عالم الإله. ونحن – بفضل الله و جوده – قد أحيينا رسومه، وأحكمنا بناء مذهبه و رأيه، وشيّدنا أركانه، وذببنا عن ذلك، وفككنا عقدة الاشكالات، التي أوردها عليه كل مَن أتى بعده إلى هذا الوقت، تقرّباً إلى الله، وتشوّقاً إلى دار كرامته.) (2)

هذه العبارة(وأحكمنا بناء مذهبه و رأيه، وشيّدنا أركانه) – بعد قراءة متدبّرة هادئة – يشير إلى أنّ هناك ما لم يكن محكما فأحكم، وما لم يكن مقوّما فقوّم، وما لم يكن مشيّدا فشيّد. وبعبارة أخرى، إنّ موقف صدر الدين الشيرازي من نظرية المثل لم يكن إيجابيّاً بتسليم، وإنما موقفاً إيجابيّاً نقديّاً.

 
   

 

1- الأسفار: ج7،ص272

2- مفاتيح الغيب: ص402-403

المبحث الثالث: نقد ملّا صدرا على نظرية المثل

  لم تسلّم نظرية المثل من نقد صدر المتألهين – كما ذكرنا آنفا – وفيما يلي ملامح من هذا النقد:

يأخذ صدر الدين على وجهة النظر الأفلاطونية في مسألة علمه تعالى، والمرتكزة إلى نظرية المثل مأخوذاً سلبيا، قائلا:

(أما مذهب القائلين بالمثل – وإن كان مذهبا منصورا عندنا؛ حيث ذببنا عنه، وبرهنّا عليه، وشيّدنا أركانه، ورفعنا بنيانه كما سبق القول فيه، في العلم الكلّي المذكور في السفر الأول من هذا الكتاب – لكن في جعل تلك الصور مناطا للعلم الأزلي الكمالي الإلهي السابق على كل ما سواه، موضع بحث و محلّ قدح؛ لأنّ علمه (تعالى) قديم، واجب بالذات، وهذه الصور متأخرة الوجود عنه(تعالى) وعن علمه بذواتها. فكيف تكون هي بعينها علمه بالأشياء في أزل الآزال؟ وأيضا هذه الصور المفارقة لكونها موجودات عينية لا ذهنية، ننقل الكلام إلى كيفية علمه بها قبل الصدور، فيلزم إمّا التسلسل أو القول بأنّ الواجب(تعالى) لا يعلم كثيرا من الأشياء قبل تلك الأشياء، بل استفاد علمه بها منها، وأنّه لولا تلك الأشياء لم يكن هو عالما بحال. والأصول الماضية الحقّة، تبطل هذا و أمثاله.) (1)

وفي تحقق الصور العقلية و مقارنتها بمثل أفلاطون، يكتب في معرض ردّه على الطوسي في مسألة علم الله تعالى، و ذهابه هو فيها مذهب السهروردي بالإضافة الإشراقية:

(...فإنّ لكل صورة مادية كائنة فاسدة، صورة إدراكية، ذات حياة و تعقل. ولتلك الصورة أيضا صورة عقلية، و هي وجهها الثابت عند الله، وهي المعقولة بالذات. وما دونها معقولة له، لكن بتبعية تلك الصورة، فاحتفظ بهذا التحقيق فإنّه نافع جداً.) (2)

 

 
   

 

1- الأسفار:ج6،ص188

2- نفس المصدر:ج6،ص259

في مكان آخر يتبيّن ملا صدرا الخلل في مذهب أفلاطون و يقول:

(كون علمه(تعالى) أشياء خارجة عن ذاته، وكل ما هو من الموجودات الخارجية فوجودها عنه إنما يصدر عنه بعلم سابق. فإن كانت مما عقلت أولا فوجدت، فيعود الكلام إلى كيفية معقوليتها السابقة فهي إما بوجودات و صور منفصلة خارجية. أو بوجودات و صور إلهية متصلة، هي لوازم الأول غير الصادرة، بل الموجودة بوجوده تعالى. ففي الشقّ الأوّل يلزم التسلسل في الصور الخارجية، وهو محال. وعلى الشقّ الثّاني يلزم الاكتفاء في علم الواجب تعالى بتلك اللوازم المتصلة، فما الحاجة إلى إثبات غيرها؟ ثم لا يخفى أن علمه لابدّ أن يكون أمرا إلهيا،غير مشوب بصفة الإمكان و العدم السابق أصلا. فعلمه، وكلامه، وأمره، وقضاءه، وقلمه الأعلى، ينبغي أن يكون غير داخل في أجزاء العالم.) (1)

 
   

 

1- الأسفار: ج6،ص234-235

 

المبحث الرابع: تجاوز ملا صدرا الفهم الأفلاطوني للمثل

  بعد إذ عرض صدر الدين نظرية المثل الأفلاطونية، ثم نقدها، يأتي بمفهوم تجاوزي لها، لا بمعنى أنّه ينفيها، بل بمعنى أنّه يطوّرها و يقيمها على أسس مما قال به في الحركة الجوهرية، ونحن هنا سنوغل و سندقق في هذا الفهم التجاوزي شيئا فشيئا من خلال النصوص التالية، التي يسلط كل واحد الضوء على جانب من هذا الفهم.

يقول حكيم شيراز مبيّنا أن بقاء الأمر الثابت لكل ذي طبيعة متجدّدة سيّالة، إنما هو ببقاء الله، لا بإبقائه تعالى، شارحا ما بين الأمرين من فرق عظيم الأهمية:

إنّ كل جوهر جسماني له طبيعة سيّالة متجدّدة، وله أيضاً أمر ثابت مستمر باق نسبته إليها (الأمر الثابت إلى الطبيعة السيّالة) نسبة الروح إلى الجسد. وهذا كما أنّ الروح الإنساني لتجرده باق، و طبيعة البدن أبدا في التحلل و الذوبان و السيلان، وإنما هو متجدد الذات الباقية، بورود الأمثال على الاتصال، والخلق لفي غفلة عن هذا، بل هم في لبس من خلق جديد. وكذلك حال الصور الطبيعة للأشياء؛ فإنها متجددة من حيث وجودها المادّي، الوضعي، الزماني، ولها كون تدريجي غير مستقر بالذات. ومن حيث وجودها العقلي، وصورتها المفارقة الأفلاطونية، باقية أزلا و أبدا في علم الله تعالى . ولست أقول إنّها باقية ببقاء أنفسها، بل ببقاء الله تعالى، لا بإبقاء الله تعالى إياها. وبين المعنيين فرقان: فالأول: وجود دنيوي، بائد، داثر، لا قرار له. والثاني: وجود ثابت عند الله، غير داثر و لا زائل؛ لاستحالة أن يزول شيء من الأشياء عن علمه تعالى، أو يتغير علمه تعالى. (1)

وإذا كانت مستويات الوجود عند أفلاطون اثنين؛ أحدهما في عالم المثل، والآخر في العالم الطبيعي، الذي هو أشباح تلك المثل، فالشيرازي يوافق أفلاطون و يثبّت رأيه في مثله، لكنه يزيد على مستويات الوجود عند صاحب المثل، مستوى آخر،وهو يعدّ ذلك فهما أعمق لنظرية صاحبه:

 
   

 

1- الأسفار: ج3،ص104-105 بالتصرف

وليعلم أن المثل النورية الأفلاطونية جواهر في ذاتها و وجودها، وهي أصل جواهر هذا العالم و ماهيّاتها، وهي حقائق هذه المحسوسات المادية. والذي يفيد إثباتها،بل إثبات الأشباح المعلقة جميعا هو أنه لا شبهة في أنّفي العالم شيئا محسوسا كالإنسان مثلا، مع مادته وعوارضه المخصوصة، وهذا هو الإنسان الطبيعي، وقد ثبت أنّ له وجودا في الخيال مع مقداره و شكله وخصوصيته على وجه شخصي، وإن لم تكن مادته موجودة في الخارج. وثبت أيضا أنّ للعقل أن يدرك الإنسان بجميع ما فيه من الجوهرية و الأعضاء والأشكال والأوصاف اللازمة والمفارقة لكن على وجه المعقولية، بحيث يحتمل الاشتراك بين كثيرين من نوعه مع نوع أوصافه. ولا حاجة في التعقّل إلى تجريد ماهيته عن ماهية العوارض بأن يحذف منها ما عداها، إن كان ذلك أيضا ميسّرا، لكن الواجب في التعقّل هو التجريد عن هذا الوجود الوضعي، الذي لابد أن يكون في جهة من جهات هذا العالم المادي. فثبت أن للإنسان وجودا في الطبيعة المادية وهو لا يكون بذلك الاعتبار معقولا و لا محسوسا، و وجودا في الحس المشترك والخيال، وهو بهذا الاعتبار محسوس البتة، لا يمكن غير هذا، و وجودا في العقل، وهو بذلك الاعتبار معقول بالفعل، لا يمكن غير ذلك. ثم لمّا ظهر لك بالبرهان القطعي أن وجود المحسوس – بما هو محسوس – هو بعينه حسّ و حاسّ. وكذا المعقول بالفعل وجوده بعينه، وجود الجوهر العقلي، و يتّحد العاقل والمعقول، وعلم أيضا أن العاقل جوهر مفارق بالفعل، فالمعقول كذلك. ولذا الكلام في الصور المحسوسة الموجودة في عالم الخيال هي بعينها القوّة الخيالية، وهي لا محالة جوهر، والمتحد مع الجوهر جوهر. فللإنسان مثال جوهري قائم بنفسه في عالم الأشباح. ومثال عقلي جوهري قائم بذاته في عالم العقول. وهكذا الأمر في كل موجود طبيعي من الموجودات الطبيعية، له ثلاثة وجودات: عقلي،مثالي،ومادي. (1)

أضاف ملا صدرا في هذه النظرية أنّ الوجود العقلي من كل نوع، لا يمكن أن يكون إلا واحدا غير متعدد، يقول:

(واعلم أن الوجود العقلي من كل نوع، لا يمكن أن يكون إلا واحدا غير متعدد. وذلك؛

 1- الأسفار: ج3،ص505- 507 بالتصرف

  لأن الحقيقة إذا كان لها حدّ واحد نوعي، فلا يمكن تعددها إلا من جهة المادة، أو من جهة أسباب خارجية اتفاقية. وأمّا الوجودان الآخران، فيجوز فيهما كثيرة الأعداد من نوع واحد، سواء أكان من جهة انفعالات المادة القابلة كما في الصور الطبيعية، أم بوساطة جهات فعلية كما في الإدراكية التي يحفظها الخيال. فكل صورة من نوع واحد كالإنسان، إذا جرّدت عن هذا الوجود، وعن التمثّل الخيالي أيضا، فبلغت إلى عالم العقل و وصل أثرها هناك، فإذا جرّدت صورة أخرى من نوعها – حتى بلغت في التجرّد إلى ذلك المقام – لم يكن وجودها هناك غير وجود الأولى، و لا أثر منها فيه غير ذلك الأثر، وهكذا في غيرهما من نوعها سابقا أو لاحقا، وإن كان ألف ألف  صورة في هذا المقام. فظهر من هذا البيان البرهاني أن لكل نوع طبيعي في هذا العالم – سواء أكان متكثر الأفراد غير المحصورة، أم كان نوعا محصورا في شخص – صورة عقلية قائمة بذاتها في العالم العقلي الربّاني، كما هو رأي أفلاطون الإلهي.) (1)

 
   

 

1- الأسفار: ج3،ص505-507

 نتيجة البحث

يقف ملا صدرا موقفا مؤيدا لما ذهب إليه أفلاطون في نظرية عن المثل، لكنه يخالفه في مسألتين:

1- الصور العقلية في علم الله تعالى: الصور العقلية خارجة  ذاتا عن علم ذاتي لله تعالى عند أفلاطون. أمّا عند ملا صدرا داخلة ذاتا في علم ذاتي لله تعالى.

2- مستويات الوجود: هي عند أفلاطون اثنان: المثل، والحس بينما يضيف صدر المتألهين مستوى ثالثا لتصبح على الترتيب:

1- الحضرة الإلهية أو العقل

2- المثل

3- الحس

وهو بإضافة المستوى الثالث، يتجاوز الفهم الأفلاطوني للمثل بعد أن يثبته من حيث الأصل.

الباحث يصل من خلال البحث إلى فوارق أخرى بين أفلاطون و ملا صدرا، وهي:

1- الله سبحانه وتعالى عند أفلاطون هو الفكر أو العقل المجرد، أما عند ملا صدرا هو واجب الوجود.

2- بناء على نظرية ملا صدرا، واجب الوجود يكون قديما، و صفاته عين ذاته، ولكن بناء على نظرية أفلاطون يلزم صفاته غير ذاته و تعدّد القدماء.

3- العقل المجرّد أو الفكر لا علاقة له بعالم المادة عند أفلاطون و علة ذلك العالم  هي عالم المثل و عالم المثل مرتبط بالعقل المجرّد. أمّا عند صدر الدين الشيرازي واجب الوجود له علاقة شديدة بهذا العالم المادي بواسطة عالم المثل، والعلة الحقيقية هي واجب الوجود لا غيره.

4- الصور العقلية متميّزة فيما بينها عند أفلاطون، ولكن عند صدر المتألهين غير متميّزة، بل شيء واحد.

5- الكليّات لها مثل عند أفلاطون، أمّا عند ملا صدرا الأنواع المادية فقط لها مثل في عالم المثل.

 

المصادر والمراجع

1- اخلاقی، مرضیه، خداشناسی، بنیاد حکمت اسلامی صدرا، تهران، 1391ش.

2- الحسن، نزيه عبد الله، فلسفة صدر الدين الشيرازي، ط1، بيروت، دار الهادي،1430هـ.

3- السبحاني، جعغر، صدر المتألهين في رحاب نوابغ العلماء، ط1، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام،1424هـ.

4- الشيرازي، صدر الدين محمّد بن إبراهيم، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة، ط3، بيروت، دار إحياء التراث العربي،1981م.

5- الشيرازي، صدر الدين محمّد بن إبراهيم، مفاتيح الغيب، قدّم له و صحّحه خواجوي، محمّد،انجمن حكمت و فلسفة، إيران،1363هـ.

6- مرحبا، د. محمّد عبد الرحمان، من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة الإسلامية، بيروت، عويدات للنشر و الطباعة،1420هـ .

7- مطهري، مرتضى، كليات علوم إسلامي(1)،منطق،فلسفة، انتشارات صدرا،1392ش.

8- ورنر، شارل، حکمت یونان، ترجمه بزرگ نادر زاده، شرکت انتشارات علمی و فرهنگی، تهران، 1373ش.

Magee Bryan, The Story Of Philosophy, Dorling9-                     

 Kinderseley, 2001.

History Of Islamic Philosophy.10-                                                  

فهرس البحث

مقدمة                                                                              (1)         

الفصل الأول: شخصية أفلاطون و ملا صدرا و أصولهما الفلسفية    

المبحث الأول: شخصية أفلاطون و أصوله الفلسفية                      (3)

المبحث الثاني: شخصية ملا صدرا و أصوله الفلسفية                    (3)

الفصل الثاني: المثل الأفلاطونية و ملا صدرا

المبحث الأول: نظرية المثل عند أفلاطون                                  (6)

المبحث الثاني: تأييد صدر المتألهين للمثل الأفلاطونية عموما          (8)           

المبحث الثالث: نقد ملّا صدرا على نظرية المثل                           (10)

المبحث الرابع: تجاوز ملا صدرا الفهم الأفلاطوني للمثل               (12)

نتيجة البحث                                                                     (15)

المصادر والمراجع                                                             (17)